فصل: الباب الثالث (في صيغ الالتزام)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الباب الثالث ‏(‏في صيغ الالتزام‏)‏

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ فهي‏:‏ لله علي صوم، أو نحوه مطلقا، أو معلقا الشرط نحو‏:‏ إن شفى الله مريضي، وقد تقدم أول الكتاب أن النذر الوعد كيف كان، ومدركه، فإن قال‏:‏ إن كلمت زيدا فعلي كذا، ونحوه من الشروط المقصودة الإعدام لا الإيجاد لزم على المعروف من المذهب، وحكي عن ابن القاسم تكفيه كفارة يمين، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏.‏

‏(‏تمهيد‏)‏‏:‏ في مسلم قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏كفارة النذر كفارة يمين‏)‏ حمله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل على نذر الحاج، وهو ما قصد به حث على الإقدام، والإحجام نحو‏:‏ إن عصيت الله تعالى فعلي صوم جمعا بينه وبين الإجماع على الوفاء بالنذر‏:‏ في الدراقطني قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏من جعل المشي إلى بيت الله في أمر لا يريد به وجه الله تعالى، فكفارته كفارة يمين‏)‏ وهو ضعيف السند، وحمله مالك على النذر الذي لا مخرج له، وهو أولى لوجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن لفظ الحديث مطلق، فيحمل على المطلق الذي لا تعلق له، وثانيها‏:‏ أن النصوص دالة على الوفاء بالملتزمات، وهذا لم يلتزم شيئا معينا، فتسلم النصوص على التخصيص بخلاف ما قاله، وثالثها‏:‏ ما في أبي داود قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏من نذر نذرا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين‏)‏ وهو مقيد، فيحمل ذلك المطلق عليه‏.‏

قاعدة‏:‏ الأحكام الشرعية قسمان‏:‏ ما قرره الله تعالى في أصل شرعه، ولم يكله إلى اختيار عبيده كالصلاة، ونحوها، ومنها ما وكله لاختيارهم، وحصر ذلك في باب واحد، وهو نقل ما شاءوا من المندوبات إلى حيز الوجوب بطريق واحد، وهو نقل النذر بأي شيء أرادوا إيجابه بذلك وجب، وإلا فلا، ولما شرع الله تعالى الأحكام شرع لكل حكم سببا، وجعل الأسباب قسمين‏:‏ منها‏:‏ ما قرر سببيته في أصل شرعه، ولم يكله لاختيار عباده كأوقات الصلوات، وأسباب العقوقات، ومنها‏:‏ ما وكله لاختيارهم، فإن شاءوا كان سبباً، وإلا فلا، وهو شرط النذر، والطلاق، والعتاق، ونحوها، فإنها أسباب يلزم من وجودها الوجود من عدمها العدم، ولم يحصر ذلك في المندوبات كما عمل في الأحكام، بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات، والمحرمات، وما ليس من المكتسبات كهبوب الرياح، ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي، ولا اكتساب اختياري‏.‏

فرع‏:‏ في ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ النذر إما مندوب، وهو المطلق من غير شرط شكرا لله تعالى على ما قضى، أو مكروه، وهو المفكر مع الأيام مخافة التفريط، أو مباح، وهو المعلق على شرط مستقبل، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏ و‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ هذا هو المكروه عند مالك لما في مسلم أنه عليه السلام نهى عن النذر، وقال‏:‏ إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل قال‏:‏ والكل لازم، وكيفما تصرف لا يقضي به لاشتراط النية فيه، وهي متعذرة مع الإكراه‏.‏

‏(‏كتاب الأطعمة‏)‏

وفيه بابان‏:‏

‏(‏الباب الأول‏)‏ ‏(‏فيما يباح للمختار‏)‏

والمأكول إما جماد، وإما حيوان، أو نبات، والحيوان ضربان‏:‏ بحري، وبري، فالبحري‏:‏ قال مالك في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يؤكل جميعه بغير ذكاة، ولا تسمية سواء صيد، أو وجد طافيا، أو في بطن طير الماء، وبطن حوت صاده مسلم، أو مجوسي كان له شبه في البر أم لا، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ السمك حلال، وأما غيره من الدواب مما ليس له شبيه في البر أوله شيبة حلال، فهو حلال‏.‏

وفي افتقاره إلى الذكاة قولان نظرا إلا كونه سمكا أم لا، وما له شبه حرام كالخنزير، والكلب، وهو يعيش في البر كالضفدع، فهو حرام؛ لأنه من الخبائث، أو السباع كالتمساح‏.‏

وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يحرم غير السمك الذي يمون بنفسه؛ لاندراجه في الميتة المحرمة، ووافقنا ابن حنبل في الضفدع، والتمساح‏.‏

وتوقف مالك في خنزير الماء، وقال ابن القاسم‏:‏ أمقته من غير تحريم، ونقل أبو الطاهر قولا بالتحريم لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولحم الخنزير‏)‏‏.‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ ما تطول حياته في البر يفتقر إلى الذكاة‏.‏

واختلف في كراهة كلب الماء، وخنزيره‏.‏ احتج ‏(‏ح‏)‏ بنهيه عليه السلام عن أكل الطافي، وقال‏:‏ ما جزر عنه البحر، فكلوه، وما مات فيه، وطفا فلا تأكلوه، ولأنه مات حتف أنفه، فلا يؤكل كالشاة، والجواب عن الأول‏:‏ أنه ضعيف، وعن الثاني‏:‏ العرف بأن البري حرمه الشرع إذا لم تستخرج منه الفضلات المستخبثة بأيسر الطرق عليه، وهو الذكاة إلا لضرورة كالصيد، وقد سقط اعتبار الفضلات في البحري بدليل المصيد، فيحل مطلقا، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم‏)‏ ولا طعام بعد المصيد إلا الطافي، ولما في الصحاح أن أبا عبيدة رضي الله عنه مع الصحابة رضي الله عنهم وجدوا على شاطئ البحر دابة تدعى العنبر، فأكلوا منها، وأدهنوا، وأتوه عليه السلام، فسألوه عن ذلك، فقال عليه السلام‏:‏ هل معكم منه شيء، فأطعموني‏؟‏‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ إذا مات الطير، والحوت في بطنه لا يؤكل؛ لأنه نجس، والصحيح أنه يغسل، ويؤكل كما لو وقع في نجاسة، وكالجدي يرضع خنزيرة، والطير الذي يأكل النجاسة، فإنه يغسل بعد الذبح، ويؤكل‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب تهذيب الطالب‏:‏ قال شيوخنا‏:‏ إذا اشترى حوتا فوجد فيه جوهرة غير معمولة، فهي للبائع‏.‏ لأنه لم يبعها إن كان صيادا، وإن علم تداول الأملاك عليها، فهي لقطة، وقال أبو العباس الأشباني‏:‏ إن كانت مثقوبة فلقطة، وكذلك إن تداولها الأملاك‏.‏

وأما البري فحلال إجماعا كالأنعام، والوحش، والطير السالم عن السبعية، والمخلب، والاستخباث، وحرام إجماعا، وهو الخنزير‏.‏ قال اللخمي‏:‏ لحمه، وشحمه، وجلده، ولبنه، وخصصت الآية اللحم؛ لأنه المقصود غالبا، وقد يؤكل الحيوان مسموطا‏.‏ ومختلف فيه، وهو في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تؤكل الضرايب‏.‏ وفي ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ جمع ضرب مثل ثمر، وهو حيوان له شوك‏.‏

‏(‏فروع خمسة‏)‏

الأول‏:‏ السباع، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هي مكروهة على الإطلاق من غير تفصيل في رواية العراقيين، وهو ظاهر الكتاب، وظاهر الموطأ التحريم، وقاله الأئمة، وقال ابن حبيب‏:‏ لم يختلف المدنيون في تحريم العادي كالأسد، والنمر، والذئب، والكلب، وأما غير العادي كالضب، والثعلب، والضبع، والهر الوحشي، والإنسي، فمكروه‏.‏

وقال ابن كنانة‏:‏ كل ما يفترس، ويأكل اللحم، فلا يؤكل، وغيره يؤكل‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طعام يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله‏)‏ فخرجت السباع عن التحريم‏.‏

وورد عليه أسئلة‏:‏ الأول‏:‏ إن هذا أجاز عن الماضي من الوحي، فيبقى المستقبل، فيبطل الحصر‏.‏

وثانيها‏:‏ ينتقض بذبائح المجوس‏.‏ وثالثها‏:‏ أنها مكية، ووجود الوحي بعد ذلك بالمدينة معلوم، ورابعها‏:‏ في الموطأ‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أكل كل ذي ناب من السباع حرام‏)‏ زاد في مسلم، ‏(‏وذي مخلب من الطير‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن لا لنفي المستقبل دون الماضي، فليس صرفها للماضي بأولى من صرف الماضي الذي هو أرجى إلى الحالة المستمرة المشتملة على الماضي، والحال، والاستقبال، بل هذا أولى؛ لأن التصرف في الفعل أولى من الحرف؛ لأنه محل التصريف، والتصرف، وعن الثاني‏:‏ أن قيام الدليل على التخصيص لا يمنع من التمسك بالنص‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏(‏لا أجد‏)‏ عام في المستقبل، وخبره عليه السلام حق‏.‏ وعن الرابع‏:‏ أنه محمول على الكراهة جمعا بين الدليلين‏.‏ سلمنا أنه للتحريم لكنه ينتقض بالثعلب، والضبع مع قول الخصم بإباحتمهما‏.‏ سلمنا عدم المنتقض لكن إصابة المصدر إلى الفاعل أولى من المفعول، فيكون ذوا الناب هو الآكل، فيحرم علينا ما افترسه، ونحن نقول به‏.‏

تمهيد‏:‏ أجرى الله تعالى عادته بتغيير الأغذية للأخلاق حتى وصف الأطباء قلوب الأسود من الوحش، والطير للشجاعة، وقوة القلب، فمن أكل منها شيئا استحال طبعه إليه، والسباع ظالمة غاشمة قاسية بعيدة من الرحمة، فمنع الله تعالى بني آدم من أكلها لئلا يصير كذلك، فتبعد من رحمته بكثرة الفساد، والعناد، فمن العلماء من نهضت عنده هذه المفسدة للتحريم، ومنهم من لم تنهض عنده إلا للكراهة‏.‏

الثاني‏:‏ ذوات الحافر المقانسة، وفي الجواهر‏:‏ الخيل مكروهة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ دون كراهة السباع، وقيل‏:‏ مباحة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، وقيل‏:‏ محرمة ‏(‏والبغال والحمير لتركبوها‏)‏ ‏(‏النحل‏:‏ 8‏)‏، فلو كانت يجوز أكلها لكان الامتنان به أولى، ومذكورا مع الركوب‏.‏ قال اللخمي‏:‏ الخيل أخف من الحمير، والبغال بينهما، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏نهى عليه السلام عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا دجن حمار وحش، وصار يحمل عليه لم يؤكل عند مالك نظرا لحاله الآن، وأجازه ابن القاسم نظرا لأصله‏.‏

الثالث‏:‏ ما اختلف في أنه ممسوخ كالفيل، والدب، والقنفذ، والقرد والضب، وفي الجواهر‏:‏ اختلف في إباحته، وتحريمه لنهيه عليه السلام عن ثمن القرد‏.‏ ولو أبيح أكله لم يحرم ثمنه، وقيل‏:‏ يجوز القرد إن كان يرعى كل الحشيش‏.‏ قال أبو الوليد‏:‏ ظاهر المذهب عدم التحريم‏.‏

تنبيه‏:‏ في مسلم‏:‏ ‏(‏سئل عليه السلام عن أكل الضباب، فقال عليه السلام‏:‏ إن أمة مسخت، وأخشى أن يكون منها، ثم قال‏:‏ بعد ذلك أن الممسوخ لا يعقب‏)‏ في حديث آخر، وهذا هو الصحيح، فإنه عليه السلام كان يخبر بالأشياء مجملة، ثم يفصل له، فيقدم التفصيل على الإجمال، وكذلك أخبر بالدجال مجملا، فقال حينئذ‏:‏ ‏(‏إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن لم أكن فيكم فامرء حجيج نفسه، والله خليفتي عليكم‏)‏ ثم أخبر أنه إنما ينزل في آخر الزمان، فتعليل هذه بالسبعية، والاستخباث أولى‏.‏

الرابع‏:‏ الحيوانات المستقذرة، ففي الجواهر‏:‏ يحكي المخالفون لنا عنا جوازها، وهو خلاف المذهب لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويحرم عليهم الخبائث‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 157‏)‏ وقاله الأئمة، وأباح ابن حنبل الضب؛ لأنه أكل على مائدته عليه السلام، ولم ينكره خرجه مسلم‏.‏

واتفق الأئمة على إباحة الجراد لقوله عليه السلام في البخاري‏:‏ ‏(‏إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء‏)‏ والغالب موته، فلو كان ينجس بالموت لما أمر بذلك صونا للطعام عن النجاسة، فيكون أصلا لا نفس له‏.‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أحلت لي ميتتان الحوت والجراد‏)‏ والعجب من نقل الجواهر مع قوله في الكتاب‏:‏ لا بأس بأكل الجلد، والوبر‏.‏

وإذا ذكيت الحيات موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إليها، ولا بأس بأكل خشاش الأرض، وهو مما إذا ذكيت ذكاة الجراد، وتؤكل الضفادع، وإن ماتت؛ لأنها من صيد الماء، والحلزون كالجراد، فيؤكل منه ما سلق، أو شوي، وما مات فلا، فأي شيء بقي من الخبائث بعد الحشرات، والهوام، والحيات‏.‏

فائدة‏:‏ ذكاة الحيات لا يحكمها إلا طبيب ماهر، وصفتها‏:‏ أن يمسك برأسها، وذنبها من غير عنق، وهي على مسمار مضروب في لوح يضرب بآلة حادة رزينة عليها، وهي ممدودة على الخشبة في حد الرقيق من رقبتها، وذنبها من الغليظ الذي هو وسطها، ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة فمتى بقيت جلدة يسيرة، فسدت وقتلت بواسطة جريان السم من رأسها في جسمها بسبب عصبها، أو ما هو قريب من السم من ذنبها في جسمها، وهذا معنى قوله‏:‏ موضع ذكاتها‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ قال مالك في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا أكره الجلالة من الأنعام، ولو كرهت ذلك لكرهت الطير الآكل للنجاسة، وكرهها ابن حبيب، وحرمها ‏(‏ش‏)‏ إن تغيرت رائحة لحمها، وإلا فلا، وقال ابن حنبل‏:‏ إن كان أكثر علفها النجاسة حرم لبنها، ولحمها، وفي بيضها قولان له لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏نهى عليه السلام عن أكل الجلالة، وألبانها‏)‏‏.‏

وأما النبات المسقي بالنجاسة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ كرهه مالك، وأباحه ‏(‏ش‏)‏، وفرق بينه وبين الحيوان، فإن نفس النجاسة المستقذرة يشاهد دخولها في الحيوان، فتعافه النفوس، فيصان الإنسان عنه بخلاف النبات‏.‏

فائدة‏:‏ الجلالة مشتقة من الجلة بكسر الجيم، وشد اللام، وهي العذرة‏.‏

تمهيد‏:‏ قد يتخيل الفقيه أن الجواب عن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويحرم عليهم الخبائث‏)‏ عسير، وليس كذلك لقوله‏:‏ ‏(‏والذي خبث لا يخرج إلا نكدا‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 58‏)‏، والمراد ضعف الإنبات، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏الخبيثات للخبيثين‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 26‏)‏، والمراد العصاة، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 167‏)‏، والمراد به الدنية، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة‏)‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 26‏)‏ المراد به المؤلمة، وإذا كان الخبيث يطلق على معان مختلفة بقي محتملا، فسقط الاستدلال به، أو يحمل على المستبعد في نظر الشرع؛ لأن القاعدة حمل كلام كل متكلم على عرفه، والبعد في نظر الشرع إنما يعلم بدليل شرعي، والنزاع فيه‏.‏

الخامس‏:‏ الطير، ففي الجواهر‏:‏ كله مباح ذو المخلب، وغيره، وقاله في الكتاب‏:‏ وروي عن مالك لا يؤكل ذو المخلب، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل لنهيه عليه السلام في الحديث المتقدم عنه، والجواب عنه‏:‏ أنها زيادة لم يروها الزهري، ولا مالك، ولا غيرهما، والمنفرد بها قليل الرواية‏.‏

والفرق المشهور بأن الاستخباث في الظلم، والسبعية في السباع، والوحش أعظم، وهو علة التحريم، والقصور في العلة يمنع من الاستواء في الحكم‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ كراهة الخطاف، ونحوها‏.‏ قال أبو الطاهر‏:‏ ولعله لقلة لحمها فيكون تعذيبا من غير فائدة، وقال الأستاذ أبو بكر‏:‏ يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل، والدود، وما بين ذلك إلا الآدمي، والخنزير، وهو عقد المذهب في رواية العراقيين إلا أن منه مباح، ومنه مكروه‏.‏

وأما النبات، والجماد‏:‏ ففي الجواهر‏:‏ تحريم ما كان نجسا، فإن خالط الطاهر نجس، فالمائع يطرح جميعه، والجامد تطرح النجاسة، وما حولها، ويؤكل، وقد تقدم في كتاب الطهارة دليله، وتفصيله، ولا يؤكل المغير بالأجسام، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏.‏

ويكره آكل الطين، وحرمه عبد الملك لإفساده الأجسام، وما كان طاهرا، ولا ضرر فيه أبيح‏.‏

وحرم ‏(‏ش‏)‏ المخاط، والمني، وإن كان طاهرا عنده، ونحوهما من المستقذرات‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ في كتاب البيوع، وغيرها‏:‏ جواز أكل لبن الآدميات إذا جمع في إناء، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، وحرمه ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه جزء آدمي، فيحرم، لنا‏:‏ القياس على الألبان‏.‏

فرع‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إنما حرم الله تعالى الدم بقيد كونه مسفوحا، وسوى مالك بين جملة الدماء في السمك، والبراغيث، وغيرهما في النجاسة، وكل نجس حرام، وقال أيضا‏:‏ لا تعاد الصلاة من الدم اليسير، واختلف قول مالك في غير المسفوح، وقال ابن مسلمة‏:‏ إنما يحرم المسفوح لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ لولا قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏أو دما مسفوحا‏)‏ لاتبع المسلمون ما في العروق كما اتبعه اليهود، وقال اللخمي‏:‏ ودم ما لا يؤكل لحمه يحرم قليله، وكثيره، وليس على رتبة من لحمه، ودم ما يؤكل لحمه قبل الذكاة كذلك، وبعدها يحرم المسفوح، وهو الذي يخرج عند الذبح، ومنه سفح الجبل؛ لأنه يسيل عليه السيل، والسفاح الذي يقابل به النكاح؛ لأنه إراقة المني من غير فائدة زائدة، فإذا استعملت الشاة قبل تقطيعها، وظهور دمها كالمشوية جاز أكلها اتفاقا، وإن قطعت فظهر الدم فقال مرة حرام، وحمل الإباحة على ما لم يظهر نفيا لحرج التتبع، ومرة قال‏:‏ حلال لظاهر الآية‏.‏

فلو خرج الدم بعد ذلك جاز أكله منفردا، ودم ما لا يحتاج إلى ذكاته، وهو الحوت فعلى القول بطهارته إذا صلي به حلال، والقول بنجاسته، وعدم حله أولى، وما ليس له نفس سائلة على القول بذكاته يحرم رطوبته قبل الذكاة، ويختلف فيما ظهر بعدها، وعلى القول بعدمها فقبلها وبعدها سواء يختلف فيه إذا فارق‏.‏

فرع‏:‏

يوجد في وسط صفار البيض أحيانا نقطة دم يتولد منه، فمقتضى مراعاة السفح في نجاسة الدم لا تكون نجسة، وقد وقع فيها البحث مع جماعة، ولم يظهر غيره‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ إذا سلق بيض، فوجد في بعضها فرخ ميتة لا يؤكل البيض‏.‏ قاله ابن القاسم‏.‏ قال‏:‏ وينتقض بقوله‏:‏ إن اللحم إذا طبخ بالماء النجس يغسل، ويؤكل، والبيض يخرج من الدجاجة الميتة لا يؤكل لشربها رطوبة الميتة‏.‏ قاله مالك، وقال ابن نافع‏:‏ يؤكل إذا اشتد كما لو ألقي في نجاسة‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الإكمال‏:‏ أواني أهل الكتاب التي تطبخ فيها الميتات، ولحم الخنزير تغسل، وتستعمل لما في مسلم قال أبو ثعلبة الخشني‏:‏ إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم، فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها فإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها‏)‏ ولأن الماء طهور لكل شيء‏.‏

قاعدة‏:‏ كل ما حرم الله تعالى أكله، أو حلله إما لوصفه، أو سببه، فكل ما حرم لوصفه ‏(‏لا يحل إلا بسببه، وكل ما حل لوصفه‏)‏ لا يحرم إلا بسببه‏.‏ فالسباع، والميتة، والخبائث ممنوعة لوصفها، فلا تحل إلا بسببها كالاضطرار، والبر، والأطعمة المحسبة، والملابس الشرعية، والأنعام حلال لوصفها، فلا تحرم إلا بسببها كالعقود الفاسدة، وذكاة المجوس، والمرتد‏.‏ ولنقتصر على هذه الفروع، وطعام أهل الكتاب في الذبائح‏.‏

الثاني‏:‏ في الاضطرار

وفيه ثلاثة مباحث‏:‏

المبحث الأول‏:‏ في حد الضرورة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ هي خوف الموت، أو الجوع؛ لأنه يوجب المواساة لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أطعموا الجائع‏)‏ وإذا وجبت المواساه جاز أخذ مال الغير، وإذا جاز ماله جازت الميتة بالقياس فعلى هذا يأكل شبعه، ويتزود، وعلى الثاني لا يزيد على سد الرمق قاله ‏(‏ش‏)‏، وإذا أكل مال مسلم اقتصر على سد الرمق إلا أن يعلم طول طريقه، فيتزود؛ لأن مواساته تجب إذا جاع قال صاحب ‏(‏الإكمال‏)‏‏:‏ يأكل من الميتة، ويتزود‏.‏ قال مالك في ‏(‏الموطأ‏)‏، وقال غيره‏:‏ ما يسد رمقه، وقال عبد الملك‏:‏ إن تغذى حرمت عليه يومه، أو تعشى حرمت عليه ليلته، وفي الجواهر‏:‏ الضرورة ظن خوف الهلاك على النفس، ولا يشترط الإشراف على الموت؛ لأن الأكل حينئذ لا يفيد‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا كان سبب الاضطرار معصية كسفر المعصية المشهور جواز الأكل، وقاله ‏(‏ح‏)‏، ولا نقل فيها عن مالك، والفرق بينه وبين القصر والفطر أن منعه يفضي إلى القتل، وهو ليس عقوبة جنايته بخلافهما، وقال ابن الجلاب، و‏(‏ش‏)‏ لا يأكل حتى يفارق المعصية لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏غير باغ ولا عاد‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 173‏)‏ أي ولا باغ بالمعصية، ولا متعد ما يجوز له منها، ولأن التوبة ممكنة، فموته من جهته لا من منع الشرع، واختاره القاضي أبو بكر، وقال‏:‏ ما أظن أحدا يخالفه، والقائل بذلك مخطئ قطعا، وتوقف القاضي أبو الحسن، وقال اللخمي‏:‏ إن كان العاصي بالسفر يتعين قتله كالمسافر إلى القتل، أو الزنا لا يباح له الأكل، وإلا فعلى القول بوجوب الأكل من الميتة لغير العاصي، وهو قول ابن القصار، وغيره حفظا للنفس يجب هاهنا، وعلى القول بالإباحة قياسا على الاستسلام للصيال، وهو قول سحنون يمنع هاهنا، فإن اضطر بعد رجوعه من المعصية، فكغير العاصي‏.‏

المبحث الثاني في جنس المستباح، وفي الجواهر‏:‏ كل ما يرد عنه جوعا، أو عطشا دفع الضرورة، أو خففها كالأشرية النجسة، والميتة من كل حيوان غير الآدمي، وغير الخمر؛ لأنها لا تحل إلا إساغة الغصة على الخلاف؛ لأن دفع الضرورة بها معلوم، وأما العطش، فتزيده تحريما، وقيل‏:‏ يجوز لتخفيفها العطش والجوع من حيث الجملة، واختاره القاضي أبو بكر، و‏(‏ش‏)‏؛ لأن مدمن الخمر يكتفي بها عن شرب الماء، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجوز له أكل ميتة الآدمي حفظا للحي، وقيل‏:‏ الحي الحربي، والمرتد، والزاني المحصن له أكله؛ لأنه مباح الدم، وإنما فيه الافتيات على الإمام، وإتلاف ما لا حرمة له لما له حرمة متعينة بخلاف الذمي المعاهد‏.‏

‏(‏فروع خمسة‏)‏

الأول‏:‏ في الجواهر‏:‏ الواجد لطعام غير مضطر يطلبه منه بثمن في الذمة، ويظهر له الحاجة، فإن أبى استطعمه، فإن أبى أعلمه أنه يقاتله، فإن امتنع غصبه؛ لأن إحياءه واجب عليه، فإن دفعه جازت مدافعته له، وإن أدت إلى القتل كدم المحارب، ولو قتله المالك وجب القصاص لكونه متعديا، وإن بذل له بثمن المثل وجب الشراء، أو بأكثر فهو مكروه‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ إذا وجد الميتة، وطعام الغير أكل الطعام إن أمن أن يعد سارقا، وحيث قلنا يأكل، ضمن القيمة؛ لأن الأصل عصمة الأموال أدت الضرورة إلى بذل الطعام أما مجانا فلا، وقيل‏:‏ لا يضمن؛ لأن الدفع واجب، والواجب لا يستحق عوضا‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن خاف القطع بنسبته إلى السرقة، فإن خاف الموت أكل تقديما للنفس على الطرف، وإلا فلا يأكل إلا أن يكون عليه دليل الاضطرار، وقد قيل‏:‏ لا يقطع السارق في سنة الحرب؛ لأنها حالة يقبل فيها عذر الضرورة‏.‏

الثالث‏:‏ قال‏:‏ يقدم المحرم الميتة على الصيد؛ لأن الاضطرار يبيح الميتة، وقد وجد، ومبيح الصيد الإحلال، ولم يوجد، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يقدم الصيد؛ لأن تحريمه خاص، ولأن تحريمه لا لوصفه بخلاف الميتة فيهما، فلذلك يقدم لحم الصيد‏.‏

الرابع‏:‏ قال أبو الوليد‏:‏ يقدم الميتة على الخنزير؛ لأن تحريمها عارض بسبب عدم الذكاة، وتحريمه متأصل‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وحيث يأكل الخنزير يستحب له تذكيته‏.‏

الخامس‏:‏ في الجلاب‏:‏ لا يتداوى بخمر، ولا بنجاسة خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ عند الضرورة لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها‏)‏ والجعل بمعنى الخلق واقع، فيتعين صرف النفي إلى المشروعية صونا للخبر عن المخالفة، ومثله‏:‏ ‏(‏ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 103‏)‏ أي شرع، ومنع الشريعة عند الضرورة يدل على عظم المفسدة، فيكون حراما‏.‏

كتاب الأشربة

في الكتاب‏:‏ ما أسكر كثيره، فقليله حرام من خمر، أو نبيذ، أو زبيب، أو تمر، أو تين، أو حنطة، أو غير ذلك، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يحرم أربعة أشربة عصير العنب إذا غلى، واشتد، والعصير إذا طبخ، فذهب أقل من ثلثه، وهي الطلاء، وكذلك لو ذهب نصفه، ودخلته الشدة، ويسمى المنصف، والثالث‏:‏ نقيع الرطب المشتد، والرابع‏:‏ نقيع الزبيب المشتد إذا غلى، وأباح هذه الثلاثة غيره، ويختص عنده دون الخمر بعدم الحد في قليلها، وخفة نجاستها، وجواز بيعها، وتضمينها بالقيمة دون المثل، ويباح عنده ما يتخذ من الحنطة، والشعير، والعسل، والذرة، ولا يحد شاربه، وإن سكر، وقال أيضا‏:‏ نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ حلال، وإن اشتد إذا شرب ما يغلب على ظنه عدم السكر، وخصص اسم الخمر بما يعتصر من العنب، ولا يندرج غيره في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما الخمر‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏فاجتنبوه‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 90‏)‏، ونحن عندنا اسم الخمر لما خامر العقل أي غطاه، ومنه‏:‏ تخمير الآنية، وخمار المرأة‏.‏ قال صاحب القبس‏:‏ والعجب من الحنفية في ذلك، والصحابة رضوان الله عليهم لما حرمت عليهم الخمر أراقوها، وكسروا دنانها، وبادروا إلى امتثال الأمر مع أنه ليس عندهم بالمدينة عصير عنب، بل نبيذ التمر، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لو جعل السيف على رأسي أن أشرب النبيذ ما شربته، ولو وضع السيف على رأسي أن أحرمه ما حرمته؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يشربونه‏.‏ قال‏:‏ وليس كما قال، ما شربه أحد منهم إنما الثابت أنه عليه السلام كان ينتبذ له فيشرب، ولعن عليه السلام في الخمر عشرة‏:‏ عاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، والمبتاع لها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وشاهدها‏.‏ قال‏:‏ ويندرج في بائع الخمر بائع العنب لمن يعلم أنه يعصره خمرا إلا الذمي، فمختلف فيه لاختلافهم في خطابهم بالفروع قال‏:‏ وما تعلق به أصحابنا من حديث الترمذي من قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما أسكر كثيره فقليله حرام‏)‏ فليس بصحيح‏.‏ احتج ‏(‏ح‏)‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا‏)‏ ‏(‏النحل‏:‏ 67‏)‏ والامتنان إنما يكون بالمباح للمقدار المسكر من غيرها، وبقي ما عداه على الأصل، وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏اشربوا ولا تسكروا‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن السكر بفتح الكاف، والتسكير في اللغة المنع لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما سكرت أبصارنا‏)‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 15‏)‏ أي منعت، وغلقت، ومنه تسكير الباب أي غلقه، فالآية تدل على أنها يتخذ منها ما يمنع الجوع، والعطش، والأمراض، وذلك يتحقق بالتمر، والرطب، والخل، والأنبذة قبل الشدة، وهي حلال إجماعا، فما تعين ما ذكرتموه، وعن الثاني‏:‏ أن معناه اشربوا منه غير الذي يسكر كثيره، لقوله في الحديث الآخر في مسلم‏:‏ ‏(‏كل مسكر خمر وكل مسكر حرام‏)‏ ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 90‏)‏ ووجه الدليل، والتمسك به من وجوه‏:‏

أحدها‏:‏ عطف الميسر عليه، وهو حرام، والعطف يقتضي التسوية، والمساوى بالحرام حرام‏.‏

الثاني‏:‏ عطف الأنصاب عليه لما سبق‏.‏

الثالث‏:‏ عطف الأزلام عليه لما تقدم‏.‏

الرابع‏:‏ قوله‏:‏ رجس، والرجس‏:‏ النجس لغة، وهو يدل على نجاسة الجميع خرجت الثلاثة عن النجاسة إجماعا بقي الحكم مستصحبا في الخمر، فتكون نجسة، فتحرم، وهي كل ما خامر كثيره كما تقدم، أو يقول‏:‏ الرجس استعمل مجازا في البعد الشرعي، والبعد شرعا محرم، والأول أولى لدوران هذا البحث بين المجاز، والتخصيص، والتخصيص أولى لما علم في الأصول‏.‏

الخامس‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏من عمل الشيطان‏)‏ فإضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع‏.‏

السادس‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فاجتنبوه‏)‏ والأمر محمول على الوجوب، ولأن هذه الأشربة يسكر كثيرها، فيحرم قليلها قياسا على محمل الإجماع، وهو من أجل الأقيسة، فقد اجتمعت الآثار، ووجوب الاعتبار، والعجب من الحنفية أنهم يقدمون القياس على النصوص، وهاهنا رفضوا القياس المعضود بالنصوص المتضافرة في الكتاب، والسنة الصحيحة في عدة مواضع، ولا جرم قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ أحد الحنفي في النبيذ، وأقبل شهادته، وقال مالك‏:‏ أحده، ولا أقبل شهادته‏.‏

قاعدة‏:‏ المرقدات تغيب العقل، ولا يحد شاربها، ويحل قليلها إجماعا، ولا ينجس قليلها، ولا كثيرها، ففارقت المسكرات في هذه الثلاثة الأحكام مع اشتراكها في إفساد العقل الذي هو سبب التحريم، فما الفرق، وبماذا ينضبط كل واحد منهما حتى يمتاز عن صاحبه‏؟‏ فالضابط‏:‏ أن مغيب العقل إن كان يحدث سرورا للنفس، فهو المسكر، وإلا فهو المرقد لقول الشاعر‏:‏

ونشربها، فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء‏.‏

وأما المرقد‏:‏ فأما غيبته كلية كالأفيون، أو يهيج من مزاج مستعمله ما هو غالب عليه من الخلاط، فتارة خوفا، وتارة بكاء، وغير ذلك، وأما الفرق‏:‏ فلأن المسكر لما أسر النفس توفرت الدواعي على تناوله تحصيلا للمسرة، فزجر الشرع عنه بالحد، والتنجيس، والمرقد خسارة محضة، وموت صرف، فالدواعي منصرفة عنه، فاكتفي في ذلك بالتعزير‏.‏

‏.‏

فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ عصير العنب، ونقيع الزبيب، وجميع الأنبذة حلال ما لم تسكر من غير توقيت بزمان، ولا هيئة، ولا يحد الطبخ بثلثين، ولا غيرهما، بل ما منع إسكاره كثيره؛ لأن العنب إذا كثرت مائيته احتاج إلى طبخ كثير، أو قل فطبخ قليل، وذلك مختلف في أقطار الأرض، ولا ينبذ تمر مع زبيب، ولا بسر، ولا زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير، ولا أحدهما مع تين، أو عسل؛ لأن خلطها يسرع بشدتها، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏، وفي مسلم نهيه عليه السلام عن شرب الخليطين، وإذا نبذ كل واحد وحده لا ينبغي خلطهما عند الشرب، ولا يجعل دردي المسكر، ولا عكره في شراب، ولا طعام، وأرخص مالك في جعل العجين، والسويق، والدقيق في النبيذ قليلا، ثم نهى عنه‏.‏

قال‏:‏ وفي المغرب تراب يجعل في العسل ليعجله أكرهه، وخالفه ابن القاسم قال‏:‏ ولا يعجبني انتباذ البسر المدني؛ لأنه رطب، وبسر، ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ؛ لأنه ليس شرابا، وكره نبذ الخبز فيه يوما، أو يومين ليلا تتعجل شدته‏.‏ قال صاحب القبس‏:‏ طرد ابن عبد الحكم النهي عن الخليطين على عمومه حتى في أشربة الأطباء‏.‏

الثاني‏:‏ في الكتاب‏:‏ كره الانتباذ في الدباء، والمزفت زاد في الجلاب‏:‏ الحنتم، والنقير لورود الحديث الصحيح فيهما، ولأنها تعجل الشدة في الخليطين‏.‏

فائدة‏.‏ الدباء‏:‏ اليقطين، والمزفت‏:‏ في التنبيهات بسكون الزاي ماطلي بالزفت، وهو القار الذي تطلى به السفن، والحنتم الجرار الخضر، وقيل‏:‏ الحمر، وقيل‏:‏ الفخار كيف كان، وهو جمع حنتمة، وهي الجرة‏.‏

الثالث‏:‏ في الجلاب‏:‏ تباح السوبية، والفقاع‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا ملك المسلم خمرا، فليرقها، فإن اجترأ، فخللها أكلها، وبئس ما صنع، وكره أكل الخمر يجعل فيها الحيتان، فتصير مريا، وفي الجواهر‏:‏ تحليل الخمر مكروه، وظاهر المذهب إباحة كل ما تخلل منها، وكرهه سحنون، وعبد الملك، وقال الأستاذ أبو بكر‏:‏ صورة المسألة‏:‏ إذا خللت بشيء طرح فيها كالملح، والخل، والماء الحار فأما لو خللت بنفسها مع العلم بتحريمها، فلا خلاف في جواز أكلها، وقال صاحب المقدمات‏:‏ في تخليلها ثلاثة أقوال‏:‏ المنع مطلقا، وقاله ‏(‏ش‏)‏، والكراهة والفرق بين اقتنائها لتصير خمرا، وبين ما يصير خلا من عصيره لم يرده خمرا، وبسبب الخلاف‏:‏ هل المنع تعبد، فيمتنع مطلقا، أو معلل بالتعدي في الاقتناء، فيجوز لمن صار عصيره خمرا‏؟‏ أو بالتهمة لقنيتها، فيجوز للرجل في نفسه التخليل لما عنده على نوع من الكراهة، وإذا منعنا التخليل، ففي جواز الأكل ثلاثة أقوال‏:‏ الجواز؛ لانتفاء علة المنع، وهو الإسكار، والمنع مؤاخذة له ينقيض قصده، ولأن النهي يدل على الفساد في المنهي عنه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وعلله بأن ما يلقى الخمر يصير نجسا بالخمر، فيصير خلا مختلطا بنجاسة، فيحرم، ويرد عليه أن المقتضي لتنجيس الخمر، وما لابسها هو وصف الإسكار وقد ذهب، فيطهر ما في أجزاء الدواء المعالج به، فلا ينجس الخل، وجوز ‏(‏ح‏)‏ التخليل لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يحل الخل الخمر كما يحل الدباغ الجلد‏)‏ وهو معارض بأمره عليه السلام في مسلم بإراقة الخمر التي أهديت له، فلو كان التخليل مشروعا لأمر به حفظا للمالية، والثالث‏:‏ الفرق بين تخليل ما اقتناه من الخمر، فيمنع، أو ما تخمر عنده ما لم يرد به الخمر قاله سحنون‏.‏

قاعدة‏:‏ أسباب الطهارة ثلاثة‏:‏ إزالة كالغسل بالماء، أو إحالة كانقلاب الخمر خلا، والدم منيا، ثم آدميا، وبهما كالدباغ‏.‏

الخامس‏:‏ في الجلاب‏:‏ من وجدت عنده خمر من المسلمين أريقت عليه، وكسرت ظروفها تأديبا له؛ لأن الشرع أدب بالمالية في الكفارات، وقال غيره‏:‏ يشق منها ما أفسدته الخمر، ولا ينتفع به إلا فيها، وما لا فلا صونا للمالية عن الفساد، وإذا قلنا‏:‏ لا تفسد، ففي النوادر‏:‏ تغسل، وينتفع بها، ولا يضر بقاء الرائحة‏.‏

وفي مختصر ابن عبد الحكم‏:‏ أما الزقاق فلا ينتفع بها، وأما القلال فيطبخ فيها الماء مرتين، وتغسل، وينتفع بها‏.‏

وفي الجلاب‏:‏ لا يحل لمسلم بيعها من كافر، ولا مسلم لقوله عليه السلام في مسلم‏:‏ ‏(‏إن الذي حرم شربها حرم ثمنها‏)‏‏.‏

ومن أسلم وعنده خمر أريقت؛ لأن الملك لا يثبت عليها، وإن أسلم وعنده ثمن خمر، فلا بأس به؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، وإذا تبايع نصرانيان خمرا، فقبضت، ثم أسلم البائع قبل قبض الثمن، فله أخذه؛ لأنه دين من جملة ديونه، وإن أسلم مشتريها فعليه دفع الثمن للبائع؛ لأنه دين عليه، وإن أسلم البائع قبل قبض الخمر فسخ البيع ورد الثمن؛ لأنه ممنوع من التسليم، والمنع الشرعي كالحسي، فيصير كالبيع المستحق قبل القبض، وإن أسلم المشتري قبل قبض الخمر فسخ البيع، ورجع البائع بالثمن لتعذر القبض شرعا، وقد توقف فيها مالك مرة، وقال‏:‏ أخاف أن يظلم الذمي؛ لأن المانع ليس من قبله قال غيره‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ إذا أسلما بعد قبض الثمن دون المثمون عليه قيمة الخمر خلافا لمالك، وابن القاسم، وإن أسلما بعد قبض الخمر دون ثمنها‏.‏ قال اللخمي على قول عبد الملك‏:‏ يأخذ الثمن‏.‏

وفي الجلاب‏:‏ وإذا اشترى مسلم من نصراني خمرا، وفاتت لم يدفع للبائع شيئا؛ لأنه ممنوع من البيع المسلم، فإن قبض الثمن تصدق به تأديبا له‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ أكره للمسلم أن يتسلف من ذمي ثمن خمر، أو يبيعه به، أو يأخذه بوجه، أو يأكل ما اشتري به، ويجوز أخذه في دينه كما يأخذ في الجزية‏.‏

السابع‏:‏ في الجلاب‏:‏ لا يؤاجر الرجل نفسه، ولا شيئا من أملاكه في عمل الخمر لمسلم، ولا نصراني، فإن أخذ أجره تصدق بها، ولم يتملكها لتحريم المنفعة المعاوض عليها‏.‏

كتاب الذبائح

والنظر في المذكي، والمذكى، والمذكى به، وصفة الذكاة‏.‏

النظر الأول‏:‏ في المذكي

قال صاحب البيان‏:‏ ستة لا تجوز ذبائحهم، وستة تكره، وستة مختلف في جواز ذبائحهم، فالأول‏:‏ الصغير الذي لا يعقل، والمجنون حالة جنونه، والسكران الذي لا يعقل، والمجوسي، والمرتد، والزنديق، وقال الأئمة‏:‏ والثانية‏:‏ الصغير المميز، والمرأة، والخنثى، والخصي، والأغلف، والفاسق‏.‏ ومنشأ الخلاف‏:‏ هل النظر إلى أن ضعف طبع الثلاثة الأول يمنع من وقوع الذكاة على وجهها، ومشابهة الخصي بهم، ونقص الآخرين من جهة الدين، أو أن القصد والفعل من الجميع ممكن، فتصح، والثالثة‏:‏ تارك الصلاة، والسكران الذي يخطئ ويصيب، والمبتدع المختلف في كفره، والنصراني العربي، والنصراني الذابح لمسلم بأمره، والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ، هذا كله على مذهب مالك رحمه الله‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ تصح ذكاة المرأة، والكتابيين رجالهم، ونسائهم، وصبيانهم، والمرأة أولى منهم يكره أكل ما ذبحه الكتابي لكنيسة، أو عيد من غير تحريم لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله له‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 145‏)‏‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وكذلك ما سموا عليه المسيح عليه السلام، وما ذبحوه، فوجدوه حراما على أصلهم كرهه مالك، ثم أجازه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وما لا يستحلونه لا يؤكل كذي الظفر، وهو الإبل، والنعام، والبط ما ليس مشقوق الأصابع خلافا لابن حنبل؛ لأنه ليس من طعامهم، وكره مالك ذبائحهم، والشراء منهم، وأمر عمر رضي الله عنه أن يقاموا من أسواقنا كلها الجزارون، وغيرهم‏.‏

وتؤكل ذبيحة الأخرس‏.‏

قال اللخمي‏:‏ واختلف في شحوم ذبائح الكتابي، فحرمه مرة؛ لأنه حرام عليهم، وجعل الذكاة تتبعض باعتباره قياسا على الدم، وأجازه مرة؛ لأن الذكاة لا تتبعض فيما هو قابل، واختلف في ذي الظفر كالشحم، وأباحه ابن حنبل، وقيل‏:‏ يجوز الشحم بخلافه؛ لأن الذكاة لا تتبعض، وقال أشهب‏:‏ كل ما نص الله تعالى على تحريمه كذي الظفر، والشحوم حرم على المسلم بخلاف ما حرموه هم، ومنعها ابن القاسم، وأباحها ابن وهب نظرا إلى نسخ ذلك، ويؤكل جل الشحوم لما في الصحيحين‏:‏ قال معقل‏:‏ أصبت جرة شحم يوم خيبر، فالتزمته، وقلت‏:‏ والله لا أعطي اليوم من هذا أحدا شيئا، فالتفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبسما‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ يجوز ذبيحة السامرية، وهم صنف من اليهود، والمشهور من مذهب ملك كراهته الشحوم، والصابئة ينكرون بعث الأجسام‏.‏

ولا تجوز ذبيحة من ليس بكتابي، ولا الصابئة المعتقدة تأثير النجوم؛ لأنهم كالمجوس، وهذا كله إذا باشرنا الذكاة أما إذا غاب الكتابي على ذبيحته، فإن علمنا استحلالهم للميتة كبعض النصارى، أو شككنا لم نأكل، وإن علمنا تذكيتهم أكلنا‏.‏ قال أبو إسحاق‏:‏ أكره قديد الروم وجبنهم وجبن المجوس لأجل ما فيه من إنفحة الميتة‏.‏

تنبيه‏:‏ كراهيته ينبغي أن تحمل على التحريم بدليل كراهيته لجبن المجوس، وهي محرمة، ولا يختلف اثنان ممن يسافر أن الإفرنج لا تتوقى الميتة، ولا تفرق بينها، وبين الذكية، وأنهم يضربون الشاة حتى تموت وقيذة بالعصا، وغيرها، ويسلون رءوس الدجاج من غير ذبح، وهذه سيرتهم، وقد صنف الطرطوشي رحمه الله في تحريم جبن الروم كتابا، وهو الذي عليه المحققون، فلا ينبغي لمسلم أن يشتري من حانوت فيها شيء منه؛ لأنه ينجس الميزان، والبائع، والآنية‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لا تؤكل ذبيحة الغلام إذا ارتد إلى أي دين كان‏.‏

قال محمد‏:‏ وتؤكل ذبيحة النصراني العربي، والمجوسي إذا تنصر‏.‏

فرع‏.‏

في الكتاب‏:‏ تؤكل ذبيحة من أبوه كتابي، وأمه مجوسية؛ لأن الولد تابع في الدين لأبيه، وقال أبو تمام في تعليقه‏:‏ قال مالك‏:‏ لا تؤكل ذبيحة من أبوه مجوسي، أو وثني، وقال ح‏:‏ يجوز إذا كانت أمه كتابية؛ لأن العبرة عنده في الدين بالأم، وقال ابن حنبل‏:‏ من أحد أبويه لا تصح ذكاته تغليبا للحرمة‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في المذكي

وفي الجواهر‏:‏ الحيوان كله يقبل الذكاة، وتطهر بها جميع أجزائه لحمه، وعظمه، وجلده، وإن كان لا يؤكل لحمه كالسباع، والكلاب، والحمر، والبغال إلا الخنزير، فإن تذكيته ميتة لغلط تحريمه، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ابن حبيب‏:‏ ما لا يؤكل لحمه كذلك‏.‏

تنبيه‏:‏ ألحق صاحب الجواهر الحمر بالسباع، وفي الكتاب في كتاب الصلاة‏:‏ يصلى على جلد السباع إذا ذكي، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي، وتوقف في الكيمخت، وتركها أحب إليه، وكذلك في آخر كتاب الأضاحي نص على طهارة جلود السباع، ولم يذكر الكلاب، فتأمل ذلك من جهة النقل‏.‏ قال اللخمي‏:‏ الحيوان ثلاثة‏:‏ بري له نفس سائلة لا تحل إلا بالذكاة، وبحري لا حياة له في البر يحل من غير ذكاة، وبري ليس له نفس سائلة، وبحري يعيش في البر اختلف فيهما‏.‏ قال مالك‏:‏ ما لا دم له كالعقرب، والخنفساء، والزنبور، والسوس، والدود والذباب، وسائر الحشرات ذكاته ذكاة الجراد إذا احتيج إلى دواء، أو غيره، وقال عبد الوهاب‏:‏ هي كدواب البحر لا تنجس في نفسها، ولا تنجس، وقال مطرف‏:‏ لا يحتاج الجراد إلى ذكاة؛ لأن عامة السلف أجازوا أكل ميتة الجراد، وفي الكتاب‏:‏ لا يحتاج فرس البحر إلى ذكاة، وإن كان له رعي في البر، ولا بد من تذكية طير الماء خلافا لعطاء، وفي الجواهر‏:‏ وهل يجري في ذكاة ما ليس له نفس سائلة ما عدا الجراد الخلاف الذي في ذكاة الجراد، أو يفتقر إلى الذكاة قولا واحدا‏؟‏ طريقان للمتأخرين‏.‏

قاعدة‏:‏ الذكاة شرعت لاستخراج الفضلات المحرمات من الأجساد الحلال بأسهل الطرق على الحيوان، فمن لاحظ عدم الفضلات مما ليس له نفس، وجعلها أصلا، وإراحة الحيوان تبعا أجاز ميتته، ومن لاحظ شرعية زهوق الروح، وجعله أصلا في نفسها لم يجزها‏.‏

قاعدة‏:‏ النادر ملحق بالغالب في الشرع، فمن لاحظ هذه القاعدة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر نظرا لغالبه، ومن لاحظ القاعدة الأولى، وأن ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقطها، ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حرمت عليكم الميتة‏)‏ أو يحمله على سبب وروده، وهو الميتة التي كانوا يأكلونها من البر، ويقولون‏:‏ تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله‏.‏

فائدة‏:‏ النفس لفظ مشترك لأمور‏:‏ أحدها‏:‏ الدم لقوله‏:‏

تسيل على حد الظبات نفوسنا وليس على غير الظبات تسيل‏.‏

وقد تقدم بسطه في باب النفاس، والحيض‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا يصلي على جلد حمار، وإن ذكي‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ لأن الذكاة لا تعمل فيه لنهيه عليه السلام عنه، وهو خلاف نقل الجواهر‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ تصح ذكاة المريضة إذا لم تشارف الموت، فإن شارفت صحت ذكاتها عند مالك، وفي مختصر الوقار‏:‏ لا تصح، والأول أحسن لما في الصحيحين أن أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع، فأبصرت بشاة تموت، فأدركتها، فذكتها بحجر، فسئل النبي عليه السلام، فقال‏:‏ ‏(‏كلوها‏)‏ وفيه أربع فوائد‏:‏ ذكاة النساء، وبالحجر، وما أشرف على الموت، وذكاة غير المالك بغير وكالة‏.‏

وإذا لم يتحرك من الذبيحة شيء بعد الذبح أكلت إن كانت صحيحة‏.‏ قال محمد‏:‏ إذا سفح دمها‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وكذلك أرى في المريضة الظاهرة الحياة، فإن قربت من الموت لم تؤكل إلا بدليل على الحياة عند الذبح‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ وذلك اضطراب عينها، أو ضرب يدها، أو رجلها، أو استماع نفسها في جوفها، ونحوها، وإذا أشكل الأمر لم تؤكل، والاختلاج الخفيف ترك الأكل معه أحسن؛ لأن اللحم يختلج بعد السلخ، وخروج الدم ليس دليلا وحده لخروجه من الميتة إلا أن يخرج بقوة لا تليق إلا بالحياة قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ في وقت اعتبار علامات الحياة ثلاثة أقوال‏:‏ بعد الذبح، معه، يكفي وجودها قبله‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ المنخنقة، والموقوذة بالذال المعجمة، وهي التي تضرب حتى تموت، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع ما مات منها، فحرام، وما لو ترك لعاش يذكى، وغير المرجو، والذي حدث به في موضع الذكاة لم تؤكل، وفي غيره يذكى ويؤكل عند مالك‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولو انتثرت الحشوة؛ لأن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلا ما ذكيتم‏)‏ بعد ذكر هذه الأقسام استثناء متصل؛ لأنه الأصل، وقيل‏:‏ لا يؤكل؛ لأنه منقطع أي من غيرهن؛ لأنه لولا ذلك لكان قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حرمت عليكم الميتة‏)‏ يعني عنه، وفي الجواهر‏:‏ منع أبو الوليد جريان الخلاف الذي ذكره اللخمي إذا كان المقتل في غير محل الذكاة، وقال‏:‏ المذهب كله على المنع، وإنما الخلاف إذا بلغت الناس بغير إصابة مقتل، والمقاتل خمسة‏:‏ انقطاع النخاع، ونثر الدماغ، وفري الأوداج، وانثقاب المصران، ونثر الحشوة، وفي البيان‏:‏ اختلف في دق العنق من غير قطع الأوداج، فلم يره ابن القاسم مقتلا، وفي خرق الأوداج من غير قطع الأوداج، فلم يره ابن عبد الحكم، وقيل‏:‏ مقتل، ومعنى قوله‏:‏ إن خرق المصران مقتل إذا كان في مجرى الطعام قبل كونه رجيعا أما حيث يكون رجيعا فليس مقتلا؛ لأن الغذاء محفوظ عن الجسد، وقد وجدنا من يعيش من بني آدم والدواب من هو كذلك، ولذلك سقي عمر رضي الله عنه اللبن، فلما خرج من مجرى الطعام قيل له‏:‏ أوص يا أمير المؤمنين، ولذلك تؤكل البهيمة إذا ذكيت، فوجدت مثقوبة الكرش؛ لأنه محل الفرث، وأما إذا شق الجوف، فلا تذكى، ولا تؤكل على الروايتين إلا على قول ابن القاسم في الذي ينفذ مقاتل رجل، ثم يجهز عليه آخر يقتل به الثاني، ويعاقب الأول قال في المقدمات‏:‏ والصواب رواية سحنون عنه أن الأول يقتل به، ويعاقب الثاني‏.‏ قال في البيان‏:‏ وفي المنخنقة، وأخواتها إذا سلمت مقاتلها أقوال‏:‏ ثالثها‏:‏ التفرقة بين الميئوس منه فيمتنع، وبين المرجو فيجوز، وجعلها ابن القاسم بخلاف المريضة الميئوسة، والجواز مطلقا لمالك، وابن القاسم، والمنع مطلقا لعبد الملك‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ الجنين إذا لم تجر فيه حياة لم تنفع فيه ذكاة أمه، ولا يؤكل، وإذا جرت فيه الحياة، وعلامته عندنا كمال الخلق، ونبات الشعر، فإن ذكيت الأم، وخرج حيا، ثم مات على الفور كرهه محمد، وحرمه ابن الجلاب، ويحيى بن سعيد، وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه، وإن لم تذك الأم، وألقته ميتا لم يؤكل، وكذلك إن كان حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك، أو شك فيه، وإن ذكيت الأم، فخرج ميتا، فذكاتها ذكاته، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏، ومنشأ الخلاف قوله عليه السلام في أبي داود‏:‏ ‏(‏ذكاة الجنين ذكاة أمه‏)‏ يروى برفع الذكاتين، وهو الأصح الكثير، وبنصب الثانية، ورفع الأولى فعلى الرفع يحل بذكاة أمه؛ لأن القاعدة أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر، ومنه‏:‏ ‏(‏تحريمها التكبير وتحليلها التسليم‏)‏ أي ذكاته محصورة في ذكاة أمه، فلا يحتاج لغيرها، وعلى النصب معناه ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه، ثم حدف مثل وما قبله، وأقيم المضاف إليه مقام المضاف، فيفتقر الجنين إلى الذكاة، وعليه أسئلة‏:‏ أحدها‏:‏ أنه شاذ‏.‏ الثاني‏:‏ أنه يحتاج إلى إضمار، والأصل عدمه‏.‏ الثالث‏:‏ أن معناه ذكاة الجنين في ذكاة أمه، ثم حذف حرف الجر، فنصب كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واختار موسى قومه سبعين رجلا‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 155‏)‏ أي من قومه، وهذا أولى لقلة الإضمار، واتفاقه مع الرواية الأخرى، وإلا نقض كل واحدة منهما الأخرى، والحديث مخالف للأصول؛ لأنه إذا كان حيا ثم مات بموت الأم، فإنما مات خنقا‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ الدابة التي لا يؤكل لحمها بطول مرضها، أو تتعب عن السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولى من بقائها تتعذب، وقيل‏:‏ تعقر لئلا يغر الناس بذبحها على أكلها، وقال ابن وهب لا تذبح، ولا تعقر لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكله‏.‏

تفريع‏:‏

قال‏:‏ لو تركها فأعلفها غيره، ثم وجدها‏.‏ قال مالك‏:‏ هو أحق بها؛ لأنه تركها مضطرا كالمكره، ويعطيه ما أنفق عليها، وقيل‏:‏ هي لعالفها لإعراض المالك عنها‏.‏

النظر الثالث‏:‏ في المذكى به

وفي الكتاب‏:‏ يجوز بالحجر، والعود، والعظم‏.‏ قال اللخمي‏:‏ الذكاة جائزة بكل مجهز من حديد، أو قصب، أو زجاج لما في ‏(‏الصحيحن‏)‏ عنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكل ليس السن، والظفر، وسأخبرك عنهما‏:‏ أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة‏)‏ معناه‏:‏ عظم يرض، ولا يفري، والظفر يخنق، ولا يذبح، أو يكون ذكر الحبشة تنبيها على أنه من شعار الكفار، فيكون ذلك من باب النهي عن زي الأعاجم قال‏:‏ وفي العظم، والسن، والظفر أربعة أقوال‏:‏ أجاز مالك، وابن حنبل العظم، والظفر، ومنعهما ابن حبيب، و‏(‏ح‏)‏ إذا كانا مركبين، وجوزا المنزوعين إن أمكن الذبح بهما لكبرهما، وكره السن، وأبيح العظم، ومنع ‏(‏ش‏)‏ الثلاثة حتى لو عمل العظم نشابا؛ لأن الاستثناء في الحديث ورد مطلقا، وجوابه‏:‏ أنه معلل بما سبق، وقال اللخمي‏:‏ لا ينبغي أن يذكى بغير الحديد إلا عند عدمه لقوله عليه في مسلم‏:‏ ‏(‏إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم مديته، وليرح ذبيحته‏)‏‏.‏

النظر الرابع‏:‏ في صفة الذكاة

وهي خمسة أنواع‏:‏ عقر في الصيد البري ذي الدم، وتأثير من الإنسان من حيث الجملة بالرمي في الماء الحار، أو قطع الرءوس، أو أرجل، أو أجنحة في الجراد، ونحوه من غير ذي الدم عند ابن القاسم في الكتاب، وقال أشهب في مدونته‏:‏ لا يؤكل إذا قطعت أجنحته، أو أرجله قبل السلق، ولا من قطع الرءوس‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ أجنحتها كصوف الميتة، وتؤكل، ولو سلقت أفخاذها بعد قطعها منها لم يؤكل الجميع؛ لأن المبان عن الحي ميتة‏.‏ قال أبو محمد‏:‏ وهذا غلط، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ لا بد من التسمية عند فعل الذكاة من سلق، أو غيره‏.‏ الثالث‏:‏ الذبح في نحور الغنم‏.‏ الرابع‏:‏ النحر في الإبل‏.‏ الخامس‏:‏ التخيير بينهما مع أفضلية الذبح في البقر لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 67‏)‏ وفي الحديث الصحيح نحر عليه السلام عن أزواجه البقر في حجة الوداع وأصل ذلك أن المقصود بالذكاة الفصل بين الحرام الذي هو الفضلات المستقذرة، وبين اللحم الحلال بأسهل الطرق على الحيوان، فما طالت عنقه كالإبل، فنحره أسهل لزهوق روحه لقربه من الجسد، وبعد الذبح منه، والذبح في الغنم أسهل عليها لقربه من الجسد، والرأس معا، ولما توسطت البقر بين النوعين جاز الأمران، وأشكل على هذه القاعدة النعامة، ففي الجواهر‏:‏ أنها تذبح، ولم يحك خلافا مع طول عنقها، ولعل الفرق بينها، وبين الإبل أن نحرها ممكن من جوفها، فنحرها شق لجوفها، ولذلك حرم نحر الغنم‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ قال الشيخ أبو بكر‏:‏ إذا نحر الفيل انتفع بعظمه، وجلده ‏.‏ قال أبو الوليد‏:‏ وخصه بالنحر مع قصر عنقه؛ لأنه لا عنق له‏.‏

قال اللخمي‏:‏ النحر في البقرة، ويجزئ منها ما أنهر الدم، ولم يشترطوا فيه الودجين، والحلقوم كالذبح، وظاهر المذهب إجزاء الطعن ما بين اللبة، والمنحر إذا كان في الودج؛ لأن عمر رضي الله عنه بعث مناديا النحر في الحلق، واللبة‏.‏ ولا يكفي الطعن في الحلقوم لبقاء الحياة بعد شقه، وإذا وقع النحر في المنحر قطع الودجين؛ لأنه مجمعهما، ويجزئ قطع ودج‏.‏

فائدة‏:‏ اللبة، واللبب وسط الصدر، وفي الكتاب‏:‏ الذبح في الأوداج، والحلقوم لا يجزئ أحدهما، ولم يعتبر المريء، واعتبره ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل مع الحلقوم؛ لأنه مجرى الطعام، واعتبر ‏(‏ح‏)‏ ثلاثة من هذه الأربعة غير معينة؛ لأن الأقل تبع للأكثر‏.‏ لنا‏:‏ أن المقصود بالذكاة إخراج الفضلات بأسهل الطرق، والمريء مجرى الطعام، والشراب فقطعه لا يرجئ الموت، وبقاء الوريد مجرى الطعام، والشراب فقطعه لا يرجئ الموت، وبقاء الوريد يمنع الموت، فانحصر المقصود في الحلقوم؛ لأنه مجرى النفس، ولا حياة بعده، وفي الوريدين لتعذر الحياة بعد الدماء، وسقط المريء، ويؤكده قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما أنهر الدم، وذكر اسم الله، فكل‏)‏ وإنهار الدم إنما يكون من الأوداج، وأصل الإنهار السعة، ومنه النهر لاتساعه للماء، والنهار لاتساع الضوء فيه، ومن ضرورة قطع الودجين قطع الحلقوم غالبا قال‏:‏ لأنه قبلهما، فيدل اللفظ على الودجين مطابقة، وعلى الحلقوم التزاما، وأما المريء، فوراءهما ملتصق بعظم القفا، فلا يدل اللفظ عليه البتة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وروي عن مالك‏:‏ لا بد من الأربعة، والاكتفاء بالودجين لخروج الدم، وقال ابن حبيب‏:‏ إن قطع الأوداج ونصف الحلقوم أجزأ‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ وفرائض الذكاة خمس‏:‏ النية إجماعا، وقطع الودجين، والحلقوم، والفور، والتسمية سنة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وصاحب النكت، وقال صاحب الإكمال‏:‏ المشهور وجوبها مع الذكر دون النسيان، ومتروك التسمية عمدا لا يؤكل، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 121‏)‏ وفي البخاري ‏(‏أن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوما من الأعراب يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال‏:‏ سموا الله وكلوا‏)‏ وهو يدل على عدم اشتراطها، وقد قال المفسرون في الآية معناها‏:‏ ما ذبح على ملتكم، فكلوا، وما لا، فلا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ باسم الله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا قوة إلا بالله كل واحدة منها تجزئ؛ لأنه ذكر الله لكن العمل على باسم الله، والتكبير، وقاله ابن حنبل، وفرق بين الحمد لله، واللهم اغفر لي؛ لأنه دعاء‏.‏ قال محمد‏:‏ والأفضل في الأضحية ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وفي الكتاب‏:‏ لا يعرف مالك اللهم منك، ولك خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏‏.‏

ومن أمر عبده بالتسمية مرتين، وثلاثا، وهو يقول‏:‏ سميت لم يسمعه صدقه، وأكل‏.‏ قال أبو الطاهر‏:‏ إن ترك التسمية ناسيا لا يضره ذلك قولا واحدا‏.‏ أو متهاونا لم تؤكل على اختلاف، أو عامدا فقولان‏.‏

نظائر أربع‏.‏ مسائل أسقط مالك فيها الوجوب مع النسيان‏:‏ التسمية، وموالاة الطهارة، وإزالة النجاسة، وترتيب الصلاة الفائتة مع الحاضرة لضعف مدرك الوجوب بسبب تعارض الأدلة، فقوي السقوط بعذر النسيان‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب تهذيب الطالب‏:‏ لو استأجر رجلا على الذبح، وإسماع التسمية، فذبح ولم يسمعه، وقال سميت، قال بعض شيوخنا‏:‏ لا شيء له من الأجرة لفوات الشرط، ولا يغرم الذبيحة، وقال بعض شيوخنا‏:‏ له تغريمة، وقال أبو عمران‏:‏ وهي مجزئة؛ لأنه إن أسرها، فالسر كالعلانية فيها، وإن نسي، فنسيانها لا يقدح، ولا يظن بالمسلم غير ذلك إلا أن تكون الشاة للبيع، فينقصها ذلك من أجل تورع الناس، فله ما نقص، وقال أبو عمران أيضا‏:‏ إن كانت أجرة الإسماع أكثر من أجرة السر، فله أجرة المثل، وفي الكتاب‏:‏ الذابح لغير القبلة تؤكل ذبيحته، وبئس ما صنع، ويسمى الله عند الذبح، وليقل‏:‏ باسم الله، والله أكبر لقوله عليه السلام ذلك، وليس موضع الصلاة على النبي عليه السلام‏.‏

قال اللخمي‏:‏ يكره الذبح لغير القبلة، فإن فعل أكلت عند ابن القاسم، وقال محمد‏:‏ تؤكل إلا أن يكون متعمدا، فتكره، وقال ابن حبيب‏:‏ إن تعمد حرمت، وكذلك قال مالك قياسا على التسمية، والفرق للمذهب‏:‏ أن الاستقبال أخف من التسمية لعدم دلالة النصوص عليه في الكتاب، والسنة بخلاف التسمية تظافرت النصوص على الأمر بها، وإنما الذبيحة لا بد لها من جهة، فاختير أفضل الجهات، وهي جهه الكعبة، والفرق بينه وبين الاستقبال للبول، وإن كان الدم نجاسة كالبول وجهان‏:‏ إن الدم أخف تنجيسا لأكل قليله، والعفو عن يسيره، وإن الذبائح في حبسها قربات بخلاف البول، وأيضا البول تنضاف إليه العورة‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا نحرت الغنم، أو ذبحت الإبل من غير ضرورة لم تؤكل، وقال الأئمة‏:‏ يسد كل واحد من النحر والذبح مسد الآخر لحصول المقصود للفصل بين الحلال والحرام الذي هو الدم‏.‏

والواقع من الغنم في بئر لا يوصل لذكاته إلا بين اللبة، والمذبح، فيذبح، أو ينحر، ولا يجوز في موضع غير ذلك؛ لأنه غير مشروع إلا في الصيد على خلاف الأصل، وليس هذا صيدا‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا عاد الوحشي إلى التوحش بعد التآنس، فذكاته بالاصطياد، واختلف في الإنسي يتوحش، أو يسقط في بئر، فلا يؤكل بما يؤكل به الصيد عند مالك، وابن القاسم، وقال ابن حبيب‏:‏ يؤكل البقر المتوحش بالعقر؛ لأن من جنسها متوحشا، وكذلك الأنعام تقع في البئر، ويعجز عن ذكاتها، وقاله ‏(‏ش‏)‏ إذا تدفق الدم لما يروى أن رجلا يقال له أبو العشراء تردى له بعير في بئر، فهلك، فقال عليه السلام له‏:‏ ‏(‏وأبيك لو طعنت في خاصرتها لحلت لك‏)‏ وجوز أشهب النحر مكان الذبح، وبالعكس، وقال ابن بكير‏:‏ يؤكل البعير بالذبح؛ لأنه الأصل، ولا تؤكل الشاة بالنحر؛ لأنه بعض أعضاء الذبح‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ الجوزة التي في رأس الحلقوم، وتسمى الغلصمة إن وقع الذبح فيها أجزأ إذا استكمل دائرها، فإن قطع نصفها أكلت عند ابن القاسم خلافا لسحنون، وهما على أصليهما، فإن صار جميعها إلى البدن دون الرأس لم تؤكل عند مالك، وابن القاسم خلافا لأشهب لدلالة الحديث عليها التزاما، وأشهب يرى انقطاع النفس حاصلا، وهو كاف في زهوق الروح‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ من شرط الذكاة‏:‏ الفور، فإن رفع يده قبل كمال الذكاة، ثم أعادها بعد طول لم تؤكل، أو بفور ذلك أكلت عند ابن حبيب، وقال سحنون‏:‏ لا تؤكل، وقال أيضا‏:‏ تكره، وتأول بعضهم قوله بما إذا رفع يده مختبرا، فأتم على الفور فتؤكل، وإن رفع جازما لم تؤكل قال‏:‏ ولو عكس لكان أبين؛ لأنه أعذر من الشك قال‏:‏ وأرى أن تؤكل في الحالين؛ لأن الفور كالمتحد‏.‏

وفي تهذيب الطالب‏:‏ قال الشيخ أبو الحسن‏:‏ إن كانت حين الرفع لو تركت لعاشت أكلت؛ لأن الثانية ذكاة مستقلة، وإلا لم تؤكل كالمتردية، وأخواتها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تمادى حتى قطع الرأس أكلت، وإن لم يتعمد، وقال ابن القاسم‏:‏ تؤكل، وإن تعمد لحصول الذكاة المشروعة، وزيادة الألم بعد ذلك منهي عنه لا يمنع الإجزاء‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن تعمد لم تؤكل، والأول أحسن إلا أن يقصد ذلك أولا، ولم ينو موضع الذكاة، فلا تؤكل، فإن ذبح من القفا لم تؤكل لنفوذ مقتلها الذي هو النخاع قبل الذكاة، وقال الأئمة تؤكل إن استمرت الحياة عند أعضاء الذبح لحصول الذكاة في الحي‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا يؤكل ما ذبح من صفحة العنق‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تسلخ الشاة، ولا تنخع، ولا يقطع شيء منها حتى تموت، فإن فعل أكلت مع المقطوع، والنخع قطع مخ عظم العنق، ومن ذلك كسره‏.‏

قال اللخمي‏:‏ يكره سن المدية بحضرة الشاة، والذبح بحضرتها، فقد أمر عليه السلام أن تحد الشفار، وتوارى عن البهائم‏.‏ ورأى عمر رضي الله عنه رجلا يحد شفرة، وقد أخذ شاة ليذبحها، فضربه بالدرة، وقال‏:‏ أتعذب الروح ألا فعلت ذلك قبل أن تأخذها‏؟‏ وتؤخذ البهيمة أخذا رفيقا، وتضجع على شقها الأيسر ليتمكن بيده اليمنى، ولأنه أهيأ للحيوان، ولذلك كان عليه السلام ينام على الأيمن حتى لا يقوى نومه، فينام عن ورده بسبب ميل القلب إليه في موضعه داخل الصدر، ويعلي رأسها، ويأخذ بيده اليسرى الجلدة التي على حلقها من اللحي الأسفل، فيجد لحمها حتى يتبين موضع السكين، ثم يمر السكين مرا مجهزا، فإن كان أعسر‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا بأس بوضعها على الأيمن‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ يكره للأعسر الذبح‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ كره مالك ذبح الدجاج، والطير قائما، فإن فعل أكلت‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ تنحر الإبل قائمة معقولة، ويجوز غير ذلك، وقاله ابن حنبل لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها‏)‏ ‏(‏الحج‏:‏ 36‏)‏ أي سقطت، وهو يدل على نحرها قائمة‏.‏